وأضاف قائلا: "يستطيع الناس التكيف طالما هناك أمل، وعندما يغيب الأمل يقع المرء فريسة لليأس الذي يدفعه للانتحار".
لقد مر أكثر من عام على انتحار غريبي، واحتاج أصدقاؤه بعض الوقت لاستيعاب ما حدث. وتقول ألفة: "لا أستطيع أن اقول أنني أقبل بما حدث ولكنني أتفهمه، فمن حسن الحظ أنه لم يمت كأغلب الناس بل ترك الكثير وما تركه مازال موجوداً، لقد كان عظيما، عظيما بحق".
بدأ كل شيء باختطاف طائرة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1972.
كان سانتياغو جينوفز عائدا إلى مكسيكو سيتي بعد حضور مؤتمر حول تاريخ العنف في مونتيري.احتجز 5 مسلحين جينوفز إضافة إلى 103 أشخاص رهائن قبل أن يطلق سراحهم في صفقة تبادلية للإفراج عمن قيل إنهم سجناء سياسيون.
عمل العالمان معا حين شاركا في رحلة لفريق أبحر في قارب يحاكي القوارب المصرية القديمة ما بين عامي 1969 و1970 في محاولة لإثبات أن الأفارقة ربما وصلوا إلى القارة الأمريكية قبل كريستوفر كولومبوس بسنوات.
واستخدم جينوفز التجربة كمختبر عائم ليرصد سلوك مجموعة من الأشخاص على متن قارب في بحر مضطرب.
"بيت فوق الماء"
"لكن هذه التجربة صممت لتوليد النزاع. أظهرت التجارب على الحيوانات أن بالإمكان استيلاد العدوانية حين نضع أنماطا مختلفة من الجرذان في فضاء محدود. أريد أن أرى إذا كان نفس الشيء ينطبق على البشر"، هذا ما كتبه الأكاديمي في مقال نشر عام 1974 في المجلة التي تصدر عن جامعة المكسيك الوطنية.
خلال التجربة ظن جينوفز أن فكرة سفر مجموعة من الأشخاص في بحر مضطرب قد تكون مختبرا عظيما لرصد السلوك البشري.
كان الزورق بطول 12 مترا وعرض 7 أمتار وكان فيه مقصورة بطول 4 أمتار وعرض 3.7 مترا، وكان هناك حيز ليستلقي الركاب على أرضية القارب لكن لم يكن بإمكانهم الوقوف.
كانت دورات المياه في الخارج، وكانت مكشوفة.
أطلق جينوفز على القارب اسم "أكالي ناهواتيل" أو "بيت على سطح الماء" بلغة السكان الأصليين للمكسيك.
"غرباء شجعان "
صعد عشرة أشخاص إلى القارب لقضاء مئة ويوم على سطحه في رحلة من جزر الكناري إلى المكسيك برفقة جينوفز.
ليس للقارب محرك وليس فيه كهرباء ولا توجد له قوارب إسناد.
أعلن جينوفز عن التجربة كرحلة استكشاف في عدة مطبوعات في أنحاء العالم بحثا عن متطوعين. اتصل به المئات، اختار منهم أربعة رجال وست نساء من جنسيات وخلفيات دينية واجتماعية مختلفة.
أربعة فقط لم يكونوا متزوجين، واختيروا لخلق توتر ضمن المجموعة، حسب ما قال جينوفز.
عينت السويدية ماريا بيونستام البالغة من العمر 30 عاما قبطانة للمركب.
لم تكن الأنثى الوحيدة التي اضطلعت بدور قيادي، فقد أنيطت الأدوار القيادية بالنساء الست، وتركت المهام الهامشية للرجال.
كتب جينوفز "سألت نفسي إن كان إسناد مهام قيادية لنساء سيؤدي إلى درجة أقل أو أكبر من العنف".
أبحر القارب في 13 مايو / أيار عام 1973 باتجاه جزيرة كوزوميل المكسيكية .
مع أن زورق "اكالي" لم يكن يمتلك المقومات التقنية ليكون ضمن برامج تلفزيون الواقع في وقتنا هذا، بدأت وسائل الإعلام في البحث عن تلك الرحلة حتى وصل الحد إلى وصفها بأنها "حفل جنس جماعي على قارب الحب". وما لبث قارب "أكالي" أن سمي بـ"قارب الجنس".
أما الواقع على متن القارب فقد كان مختلفا تماما.
كان تحفيز العلاقات الجنسية أحد أهداف التجارب التي أعدها جينوفز.
وأوضح قائلا "أظهرت دراسات علمية على القرود أن الصلة بين العنف والرغبة الجنسية، التي ترتبط بمعظم النزاعات بين الذكور، مرتبطة بوجود الإناث في مرحلة الإباضة".
وأضاف أنه اختار أشخاصا جذابين جنسيا للتأكد من أن الموضوع ينطبق على البشر أيضا.
وقال إنه "بما أن الجنس مرتبط بالشعور بالذنب فقد حرصت عل مشاركة قس من كنيسة الروم الكاثوليك من أنغولا".
في الواقع، انخرط عدة أفراد من المجموعة بنشاطات جنسية، لكنها لم تؤد إلى عداوات وتوتر ملحوظ..
لكن الجنس كان واحدا فقط من السلوكيات البشرية التي أراد جينوفز رصدها.
في الواقع كانت له أهداف أبعد. حين سألته ماريا بيورنستام عن الأهداف الحقيقية للدراسة، قال إنه أراد اكتشاف كيفية تحقيق السلام في العالم. ومن أجل تحقيق ذلك اراد جينوفز فهم العدوانية البشرية. لكن، ومع مرور الوقت، المظهر العدواني الوحيد الذي نشأ كان بسبب ظهور سمكة القرش وليس بسبب نزاعات بين أعضاء الفريق.
بعد مضي 51 يوما كان جينوفز محبطا، وكتب: "لا أحد هنا يتذكر أننا نحاول إيجاد إجابة للسؤال الأكثر أهمية في عصرنا : هل نستطيع أن نعيش بلا حروب ؟".
ثم كتب لاحقا أن "أساليبه لم تسبب العداء والعدوانية التي توقعها"، وأضاف "أدركت أن الشخص الوحيد الذي أبدى نوعا من العنف على متن القارب كنت أنا شخصيا".
"قتل"
كما نسي أيضا المشاعر المرضية التي انتابت الأعضاء الآخرين في الفريق.
بعد 50 عاما، اعترف بعض أعضاء الفريق أن فكرة قتل الأكاديمي جالت بخاطرهم.
قالت في سيمور، وهي مهندسة أمريكية شاركت في الرحلة، في مقابلة "انتابنا جميعا هذا الشعور في نفس الوقت".
جمع المخرج السويدي ماركوس لليندي الستة الذين ما زالوا أحياء من بين المشاركين، للحديث عن ذكرياتهم واللحظات المهمة في الرحلة.
"كان الأمر أجمل من أن يكون حقيقيا. عالم قضى حياته في دراسة السلوك العنيف، والآن هو على متن طائرة مخطوفة"، هذا ما كتبه جينوفز، الذي توفي عام 2013 ، وهو واحد من كبار علماء الأنثروبولوجيا السياسية.
"كنت دائما أتوق لمعرفة الدافع وراء نزوع الناس للقتال، وما الذي يجري في الدماغ حينها".
استوحى العالم من عملية الخطف تجربة تهدف لدراسة السلوك البشري، معتمدا على تجربة للمغامر وعالم الأنثروبولوجيا النرويجي ثور هييردال.
No comments:
Post a Comment